الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
وإذا التقى الصفان من المسلمين والمشركين فرمى مشرك أخاه من المسلمين فأصابه ثم أسلم المشرك ثم مات المسلم ولا وارث للمقتول غير أخيه فميراثه لأخيه وكذلك لو كان المسلم هو الذي رمى المشرك ثم أسلم المجروح ثم مات أما في هذا الفصل فلأنه قتله بحق والقتل بحق لا يوجب حرمان الميراث كما لو قتل مورثه قصاصاً أو رجماً وأما في الفصل الأول فلأنه قتله وهو محارب له وقد بينا أن التأويل الباطل ملحق بالتأويل الصحيح في الحكم وإن كان مخالفاً له في الأثم ألا ترى أن الكافر لا يستوجب قصاصاً ولا دية بقتل المسلم وإن أسلم بعد ذلك كما لا يستوجب المسلم ذلك وعلى هذا أهل البغي مع أهل العدل فإن العادل إذا قتل مورثه البغي لم يحرم الميراث بالاتفاق لأن قتله بحق والباغي إذا قتل مورثه العادل فكذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد - رضي الله تعالى عنه - لأن التأويل الفاسد إذا انضم إليه المنعة كان ملحقاً بالتأويل الصحيح إلا أن أبا يوسف - رحمه الله تعالى - يقول: ها هنا لا يرثه بخلاف الكافر لأن الباغي مسلم مخاطب بأحكام الإسلام فكان قتله العادل قتلاً محظوراً وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور فأما الكافر غير مخاطب بأحكام الشرع فلا يتعلق حرمان الميراث بقتله لأن ذلك من أحكام الشرع ولكن ما قاله أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - أصح فإن القتل الموجود من الباغي كالموجود من الكافر في أنه لا يجب عليه به قصاص ولا دية لوجود التأويل والمنعة فكذلك في حكم الميراث بل أولى لأن حكم القصاص والدية ثابت بنص يتلى وحرمان الميراث بالقتل ثابت بخبر يروى ولا شك أن ما يثبت بنص التنزيل فهو أولى وهذا بخلاف ما إذا أسلم الأب والابن في دار الحرب فإن القاتل لا يرث من المقتول شيئاً وإن كان لا يتعلق بذلك القتل قصاص ولا دية وكذلك في الأسيرين على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - لأن امتناع وجود القاص والدية هناك ليس بتأويل تأوله القاتل بل لانعدام الأحراز الذي هو مقوم للدم وبه لا يخرج القتل من أن يكون محظوراً من كل وجه فأما ها هنا امتناع وجوب القاص والدية لاعتبار تأويل تأوله القاتل ولما جعل ذلك التأويل بمنزلة التأويل الصحيح في حكم القصاص والدية فكذلك في حكم حرمان الميراث ولو أن قوماً من اللصوص أو من أهل المعصية اقتتلوا مع قوم من أهل العدل فإن قتل العادل مورثه من اللصوص فإنه يرثه لأنه قتله بحق وإن قتل اللص مورثه من أهل العدل لم يرثه شيئاً لأن هذا القتل محظور من كل وجه حتى يتعلق به القاص إذا كان عمداً والدية والكفارة إذا كان خطأ ولو كان الفريقان من اللصوص فقصد كل فريق قتل الفريق الآخر لم يرث واحد منهما صاحبه إذا قتله شيئاً لأن هذا التقل محظور من كل وجه حتى يتعلق به القصاص إذا كان عمداً والكفارة إذا كان خطأ والحاصل أن الكفارة وحرمان الميراث كل واحد منهما جزاء القتل المحظور فيثبت أحدهما بثبوت الآخر وفي الأسيرين اللذين أسلما في دار الحرب القتل موجب للكفارة إذا كان خطأ فيكون موجباً حرمان الميراث أيضاً وأما القتل الموجود من الباغي لا يوجب عليه الكفارة فلا يوجب حرمان الميراث أيضاً والله أعلم.
قال: وإذا ارتد الأب مع بعض أولاده ولحقا بدار الحرب فرفع ميراث المرتد إلى الإمام فإنه يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين ولا شيء من ميراثه للذي ارتد من أولاده لأن الإرث طريقه الولاية والمرتد لا يلي أحداً فلا يرث من أحد شيئاً وهذا لأن المرتد لا ملة له وفي الميراث يعتبر الملة ولهذا لا يجري التوارث عند اختلاف الملة فلهذا لا يرث المرتد أحداً شيئاً ويورث عنه ما اكتسبه في دار الإسلام حين كان مسلماً لأن القاضي حين قضى تلحقه بدار الحرب فقد قضى بموته لأن من هو من أهل دار الحرب في حق من هو في دار الإسلام كالميت وإنما يستند حكم موته إلى وقت ردته لأنه بالردة يصير هالكاً حكماً فلهذا يرث المسلمون من ورثته ما اكتسبه في حال الإسلام وما اكتسبه بعد الردة قبل أن يلتحق بدار الحرب فكذلك الجواب فيه في قول محمد - رحمه الله تعالى - وفي قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - هو فيء لأنه لا يمكن إسناد التوريث فيه إلى وقت إسلامه إذا لم يكن موجوداً في ملكه يومئذ فلو قضى به لوارثه كان توريث المسلم من الكافر فأما ما اكتسبه في دار الحرب فهو لابنه الذي ارتد ولحق معه بدار الحرب إذا مات مرتداً لأنه اكتسب ذلك المال وهو من أهل دار الحرب وأهل الحرب يتوارثون فيما بينهم دون أهل الإسلام فإن لحق معه بدار الحرب أحد من أولاده مسلماً فإنه يرثه من كسب إسلامه ولا يرثه شيئاً مما اكتسبه بعد الردة لأن حاله في دار الحرب كحاله في دار الإسلام فالمسلم من أهل دار الإسلام حيثما يكون وعلى هذا لو نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب مع بعض أولاده فإن الذمي من أهل دارنا إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب مع بعض أولاده صار حربياً فكان الجواب فيه وفي المسلم الذي ارتد ولحق بدار الحرب سواء لأن اختلاف الدارين يقطع التوريث كاختلاف الدينين قال ولو لحق المرتد بدار الحرب وله ها هنا امرأة مسلمة وأولاده بعضهم مسلم وبعضهم ذمي وبعضهم مرتد فلم يقض القاضي بلحاقه حتى انقضت عدة امرأته وأسلم أولاده الكبار ومات بعض أولاده فإن القاضي يقضي بميراثه لامرأته المسلمة التي انقضت عدتها ولولده الذين كانوا مسلمين يوم لحق بدار الحرب وأما من أسلم من ولده بعد لحاقه فلا شيء له من ميراثه وهذا بناء على ما بينا في السير الصغير أن في ظاهر الرواية يعتبر من كان وراثً له يوم لحاقه وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يعتبر من كان وارثاً له يوم ردته لأن حكم التوريث يستند إلى ذلك الوقت حتى يتحقق توريث المسلم من المسلم وفي رواية أخرى عن أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يعتبر من كان وارثاً له يوم قضى القاضي بلحاقه بدار الحرب لأنه إنما يصير محكوماً بموته عند قضاء القاضي بلحاقه والتوريث يكون من الميت ولكن الأصح ما ذكرنا في ظاهر الرواية فإن أصل السبب ينعقد بردته ولكن تمامه يكون بلحاقه والموجود بعد انعقاد أصل السبب قبل تمامه يجعل كالموجود عند ابتداء السبب ألا ترى أن الزيادة المفصلة في المبيع بعد العقد قبل القبض تجعل كالموجود في وقت العقد في حكم انقسام الثمن فهذا مثله فأما ما يكون حادثاً بعد تمام السبب باللحاق وقبل قضاء القاضي به لا يجعل كالموجود عند ابتداء السبب وهو نظير المكاتب يموت عن مال كثير ثم يسلم ابن له كافر أو يعتق ابن له كان عبداً أو يموت ابن له ثم يؤدي بدل كتابته فإن ما يفضل من بدل الكتابة يكون ميراثاً لورثته الذين كانوا من أهل الإرث عند موته ولا ميراث لمن كان عبداً أو كافراً يومئذ ومعلوم أن قضاء القاضي بعتقه كان عند أداء بدل الكتابة ثم انظر في التوريث إلى وقت تمام السبب لا إلى وقت القضاء فكذلك في حق المرتد وإن لم يلتحق المرتد بدار الحرب حتى انقضت عدة امرأته بثلاث حيض ثم لحق بعد ذلك أو قتل فلا ميراث لها لأن المعتبر وقت لحاقه ولا سبب بينهما عند ذلك بخلاف الأول فقد كانت هناك في عدته حين لحق بدار الحرب وهو بالردة صار في حكم الفار لأنه تم منه اكتساب سبب الفرقة وهو مشرف على الهلاك والدة في حق امرأة الفار قائمة مقام أصل النكاح في حكم التوريث قال: وإن ارتدا معاً ثم أسلم الزوج بعد ذلك بانت المرأة منه بغير طلاق ولا يتوارثان لأنه يحال بالفرقة على إصرارها على الكفر بعد إسلام الزوج وهي ليست بمشرفة على الهلاك حتى يرث الزوج منها بسبب القرابة وهي لا ترثه إن مات لأن الفرقة كانت من قبلها وإن كانت المرأة هي التي أسلمت فالفرقة تكون بغير طلاق أيضاً إلا في قول محمد - رحمه الله تعالى - وهي ترثه إذا مات قبل انقضاء عدتها لأن إصراره على الردة بعد إسلامها كإنشاء الردة منه قال: وإن ارتدا معاً ولحقا بابن صغير لهما في دار الحرب وكانت المرأة حاملاً فوضعت لأقل من ستة أشهر فميراثهما للمسلمين من ورثتهما ولا يرث هذان الصغيران منهما شيئاً لأنه حكم لهما بالردة تبعاً للأبوين حين كانا معهما في دار الحرب ألا ترى: أنهم يسبيان ويكونان فيئاً وقد بينا أن المرتد لا يرث أحداً واستدل على جواز سبيهما بما روي أن بني ناجية لما ارتدوا عن الإسلام سبي علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - ذريتهم ثم باعهم من مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم قال: ولو اكتسبا في دار الحرب مالاً ثم ماتا وأسلم أهل الدار فميراثهما لهذين الوالدين لأنهما صارا حربيين حكماً والحربي يرث الحربي ولو لم يقض القاضي بلحاقهما حتى أسلمت المرأة ورجعت بولدها الصغير إلى دار الإسلام أو كانت حاملاً فوضعت لأقل من ستة أشهر ثم رفع الأمر إلى القاضي فإن القاضي يجعل ميراث المرتد لورثته المسلمين ولا يجعل لامرأته ولا لهذين الولدين من ذلك شيئاً لأن المعتبر وقت لحاقه والمرأة كانت مرتدة عند ذلك وكذلك ما في بطنها فإنه تبع لها والصغير الذي لحقا به دار الحرب كان في حكم المرتد أيضاً فلهذا لا يرثونه شيئاً مما اكتسبه في حالة الإسلام ولو لحق المرتد بدار الحرب وامرأته حبلى في دارنا مسلمة فإن جاءت بولد لأقل من سنتين منذ ارتد الأب يثبت نسبه منه فكان من جملة ورثته لأن النكاح قد انقطع بينهما بالردة فهو كما لو انقطع بالطلاق البائن وفي مثله إنما يستند العلوق إلى أبعد أوقات الإمكان فلهذا يثبت النسب منه فيكون من جملة الورثة أيضاً وإن كانت ارتدت بعد ردة الزوج والمسألة بحالها فإن نسب الولد يثبت إذا جاءت بولد لأقل من سنتين ويرثه هذا الولد دون المرأة لأنها ارتدت قبل لحاقه وقد وجد اللحاق منه وهي مرتدة فلا ترثه شيئاً وأما الولد فهو محكون له بالإسلام تبعاً للدار بعد ارتداد الأبوين فلهذا كان هو من ورثته وإن كانت إنما ارتدت بعدما لحق الزوج بدار الحرب فهي من ورثته أيضاً لأن ردتها بعد لحاق الزوج بمنزلة موتها وذلك لا يسقط ميراثها عنه قال: ولو أن مسلماً تحته أمرأة نصرانية ارتد فبانت المرأة منه ثم جاءت بولد لأقل من سنتين من وقت ردته فنسبه يثبت منه ويكون هو وارثاً له دون أمه لأنها بانت بردته فإنما يستند العلوق إلى أبعد الأوقات وظهر أنه كان محكوماً بإسلامه قبل ردة أبيه فيبقى مسلماً ما دام في دار الإسلام والأم نصرانية فهي لا ترث المرتد شيئاً لأن المرتد في حكم الميراث عنه كالمسلم ولو كانت له جارية نصرانية فاستولدها بعد الردة لم يرث هذا الولد شيئاً منه لأنها نصرانية علقت به في حال ردة الأب فلم يكن محكوماً بالإسلام حتى يبلغ فيصف الإسلام والكافر لا يرث من المرتد شيئاً قال: وإذا ارتد الزوجان معاً ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر منذ ارتدا فهذا الولد من جملة ورثة المرتد لأنا تيقنا أن العلوق حصل قبل ردتهما فيثبت له حكم الإسلام بذلك ولو جاءت به لستة أشهر فصاعدا لم يكن وراثً لأن العلوق حصل ها هنا بعد ردتهما فلا يكون الولد محكوماً له بالإسلام حتى إذا مات في صغره لم يصل عليه وإنما جعل الوقت ها هنا ستة أشهر لقيام النكاح بينهما فإنه إنما يسند العلوق إلى أبعد الأوقات عند الحاجة ولا حاجة إذا كان النكاح قائماً بينهما وإن مات هذا الصغير عن مال فلا ميراث لأبويه منه لأنهما مرتدان والمرتد لا يرث أحداً ولكن ميراثه لإخوته المسلمين لأن الأبوين حين لم يرثاه كانا كميتين ولو هلك أحد أخويه المسلمين عن مال فليس للأبوين ولا للصغير من ميراثه شيء لأن محكوم بردته إذا جاءت به لستة أشهر بعد ردة الأبوين وإن كانت جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو مسلم يرث أخاه مع إخوته المسلمين قال: ولو لحق الأبوان بدار الحرب ثم ولدته لأقل من ستة أشهر منذ ارتدا ثم مات الصغير عن مال ثم أسلم أهل الدار فميراثه للأبوين المرتدين دون إخوته المسلمين لأن الولد كان حربياً هنا ألا ترى أنها لو ولدته في دار الإسلام ثم حلقا بدار الحرب كان حربياً مرتداً مثلهما فإذا ولدته في دار الحرب أولى أن يكون حربياً وأهل الحرب يتوارثون إذا كانوا أهل دار واحدة وكذلك لو مات الأبوان عن كسب اكتسباه في دار الحرب ثم أسلم أهل الدار فذلك ميراث للمولود في دار الحرب دون إخوته المسلمين ألا ترى أنه لو وقع الظهور على ذلك المال كان فيئاً وكل مال فيه عرضة أن يكوه فيئاً فإنه لا يكون فيه عرضة كونه ميراثاً للمسلمين فيكون ميراثاً لأهل الحرب من أولاده وأبويه إذا كانوا المدينة من أهل دار واحدة وإن كانوا من أهل دار أخرى فلا شيء لهما من ذلك لما بينا أن اختلاف الدارين فيما بين أهل الحرب يمنع التورث بمنزلة اختلاف الدينين وعلى هذا لو ارتد أهل دار وأظهروا أحكام الشرك في دارهم حتى صارت دار حرب ثم مات بعضهم عن مال كثير فميراثه لورثته الذين هم في مثل حاله لأنه كان حربياً إذ لا فرق بين هذه الدار إذا صارت دار حرب بين دار هي في الأصل دار حرب ألا ترى أنه لو وقع الظهور على هذا المال كان فيئاً فلهذا كان ميراثاً
قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه -: قد بينا في المبسوط أن تصرفات المرتد على أربعة أوجه: منها ما هو نافذ بالاتفاق كالاستيلاد ومنها ما هو باطل بالاتفاق كالنكاح ومنها ما هو موقوف بالاتفاق كالمفاوضة ومنها ما اختلفوا فيه كالبيع والهبة والعتق على قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - يقال: يكون موقوفاً لتوقف نسه وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يكون نافذاً إلا أن عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ينفذ كما ينفذ من الصحيح وعند محمد - رحمه الله تعالى - ينفذ كما ينفذ من المريض حتى يعتبر برعايته من الثلث ولا يصح إقراره لوارثه كما لا يصح ذلك من المريض ألا ترى أن امرأته ترثه بحكم الفرار إذا مات وهي في العدة والتوريث بحكم الفرار لا يكون إلا من المريض وأما المرتدة ينفذ تصرفاتها في مالها بالاتفاق كما ينفذ من الصحيحة لأنه ما توقف نفسها بالردة فإنها لا تقبل كالحربية بخلاف الرجل. وإن كان لو قتلها قاتل لم يغرم شيئاً حرة كانت أو أمة لأنها بمنزلة الحربية في ذلك ولهذا لو قاتلت مع المسلمين قتلت ولو لحق المرتد بدار الحرب فلم يقض القاضي بلحاقه حتى أعتق عبيده الذين في دار الإسلام أو باعهم من رجل مسلم كان معه في دار الحرب ثم رجع تائباً قبل أن يقضي بميراثه ولحاقه فماله مردود عليه كله وجميع ما صنع فيه باطل لأن اللحاق بدار الحرب زال ملكه وإنما توقف على قضاء القاضي دخول المال في ملك ورثته فتصرفه في المال بعد اللحاق صادف مالاً غير مملوك له فلا ينفذ وإن عاد إلى ملكه بعد ذلك كالبائع بشرط الخيار للمشتري إذا تصرف في المبيع ثم عاد إلى ملكه لفسخ المشتري البيع لا ينفذ تصرفه ولو أقر المرتد اللاحق بدار الحرب في عبيد خلفه في دار الإسلام أنه حر الأصل أو أنه عبد لفلان غصبته منه فذلك جائز إذا عاد مسلماً لأنه ليس بإنشاء تصرف منه بل هو إقرار والإقرار لازم في حق المقر لكونه مخاطباً سواء صادف ما يملكه أو ما لا يملكه إذا ملكه بعد ذلك ألا ترى أنه لو أقر بحرية عبد الغير أو بكونه مملوكاً لفلان ثم اشتراه من ذي اليد بعد ذلك الإقرار وجعل ذلك كالمجدد له بعد الشراء فهذا مثله ولو لم يثبت حتى قضى القاضي بإلحاقه وجعل المال لورثته ثم جاء تائباً فإنه يعاد إليه ما كان قائماً بعينه من ماله في يد ورثته فإن كان الوارث باع هذا العبد الذي أقر المرتد بحريته كان بيعه نافذاً لمصادفته ملكه ولكنه متى عاد إلى ملك المرتد بسبب من الأسباب انفذ إقراره السابق فيه على اعتبار أنه كالمجدد لذلك الإقرار ولو كان القاضي قضى بلحاقه وقسم ماله أو لم يقسم حتى جاء مسلماً ثم أعتق بعض عبيده قبل قضاء القاضي برد المال عليه كان عتقه باطلاً لأن بقضاء القاضي بلحاقه صار المال ملكاً لورثته فلا يعود إلى ملكه إلا بقضاء القاضي له بذلك ألا ترى أن الوارث لو أعتق هذا العبد بعد رجوع المرتد قبل قضاء القاضي برد المال عليه نفذ عتقه ولم يكن ضامناً للمرتد بمنزلة ما لو أعتقه قبل رجوع المرتد فعرفنا أنه باق على ملك الوارث وبهذا الفصل يستدل أيضاً على أنه لا ينفذ عتق المرتد فيه في هذه الحالة لأنه إذا كان بحيث يعتق كله بإعتاق الوارث إياه لا يجوز أن يعتق بإعتاق المرتد إياه فإن العتق يستدعي حقيقة الملك ولا يجوز أن يكون العبد الواحد في الوقت الواحد كله مملوكاً لزيد وكله مملوكاً لعمرو ولو كان الوارث أعتقه قبل أن يقضي القاضي بلحاق المرتد بعد رجوعه قبل قضاء القاضي له بذلك قلنا لا ينفذ عتقه لأنه سبق عتقه ولو بعث المرتد اللاحق بدار الحرب وكيلاً ليبيع عبداً له في دار الإسلام أو يعتقه ففعل الوكيل ذلك ثم رفع إلى القاضي فإنه يبطل جميع ما صنعه الوكيل ويقضي به ميراثاً لورثة المرتد لأنه بعد اللحاق لا يملك إنشاء هذا التصرف فلا يملك التوكيل أيضاً ولأن وكيله قائم مقامه في التصرف وهو في هذه الحالة لو تصرف هو بنفسه بطل تصرفه سواء قضى القاضي بلحاقه أو رجع مسلماً قبل قضائه فكذلك إذا باشر وكيله كان باطلاً سواء قضى القاضي بلحاقه أو رجع مسلماً قبل قضائه ولو كان وكله بذلك في دار الإسلام قبل أن يرتد أو بعد ما ارتد قبل أن يلحق بدار الحرب والمسألة بحالها فإن قضى القاضي بلحاقه جعل ذلك العبد ميراثاً لورثته وإن لم يقض بلحاقه حتى رجع مسلماً فجميع ما صنع الوكيل من ذلك جائز في رواية هذا الكتاب وفي رواية كتاب الوكالة يقول: الوكالة تبطل بردة الموكل ولحاقه بدار الحرب لأن ذلك بمنزلة موته وموت الموكل مبطل للوكالة ولأنه حين لحق بدار الحرب فقد صار بحال لا يصح منه إنشاء التوكيل بهذا التصرف فلا يبقى الوكيل على وكالته أيضاً ووجه هذه الرواية أنه ليس في لحاقه بدار الحرب إلا زوال ملكه عن العبد وبعد صحة الوكالة لا يبطل بزوال ملكه ألا ترى أنه لو وكل بعتق عبده أو بيعه ثم وهبه لإنسان وسلم ثم رجع في الهبة كان الوكيل على وكالته فكذلك ها هنا قلنا: لا تبطل الوكالة وإن زال ملكه باللحاق بدار الحرب لأنه زال زوالاً موقوفاً فيعود إليه إذا جاء مسلماً قبل قضاء القاضي بلحاقه وقد دخل في ملك الوارث إذا قضى القاضي بلحاقه فيتوقف تصرف الوكيل في هذه الحالة أيضاً لتوقف ملكه فإن قضى بالميراث للورثة فقد تم زوال الملك وتبين أن تصرف الوكيل لا يلاق ملك الموكل فكان باطلاً وإن عاد قبل قضاء القاضي تقرر ملكه ونفذ تصرف الوكيل له وهذا بخلاف ما إذا تصرف الموكل بنفسه بعد اللحاق بدار الحرب فهناك إنما لا ينفذ تصرفه لتباين الدارين حقيقة وحكماً بين المتصرف والمتصرف ففيه وهذا غير موجود فيما إذا تصرف الوكيل وهو في دار الإسلام مع العبد وإن قضى القاضي به للوارث ثم جاء المرتد مسلماً وذلك العبد قائم في يد وارثه فرده القاضي عليه فإن كان الوكيل أعتقه أو دبره نفذ ذلك وإن كان باعه أو وهبه أو كاتبه لم ينفذ شيء من ذلك لأنه عاد إليه على تقديم ملكه وباعتبار ملكه ينفذ العتق والتدبير ألا ترى أنه لو رجع قبل قضاء القاضي بلحاقه نفذ العتق والتدبير فيما صرا مستحقاً من العتق والتدبير لا يحتمل الانتقاض بعد ذلك وقضاء القاضي به للوارث لا يكون مبطلاً لذلك التصرف بعد ذلك بخلاف البيع والهبة والكتابة فإن ذلك يحتمل النقض فيكون قضاء القاضي بالملك للوارث مبطلاً لهذه التصرفات وهي بعد ما بطلت لا تعود إلا بالتجديد وهذا لأن بالعتق والتدبير يستحق الولاء فيكون في معنى إنهاء الملك لا إبطاله وإذا عاد أصل ملكه في القائم بعد رجوعه مسلماً بقضاء القاضي يعود ما ينهيه فأما البيع والهبة قاطع للملك فعود الملك إليه بقضاء القاضي لا يتضمن عود ما هو قاطع للملك بعد ما بطل بقضاء القاضي به للوارث ولو كان الوارث أخرجه من ملكه حين قضى القاضي له به ثم جاء المرتد مسلماً فاشترى ذلك العبد ممن في يده فإنه ينفذ عتق الوكيل والتدبير الذي كان فعله بعد لحاقه وهذا مشكل فإن ها هنا لم يعد إليه ذلك الملك الذي وجد فيه التدبير والعتق وإنما هذا ملك حادث له بسبب أحدثه فينبغي ألا ينفذ ذلك العتق والتدبير ولكنه قال هذا وإن كان ملكاً حادثاً من وجه فهو من وجه كأنه ذلك الملك وما يعطى يجعل بمنزلة الفداء لذلك الملك كمولى العبد المأسور إذا أخذه بالثمن من يد المشتري جعل معيداً له إلى قديم ملكه وما أدّى يجعل في حكم الفداء فمن هذا الوجه يكون هذا وما لو كان في بد وارثه فرده القاضي عليه سواء ولأن الاستحقاق كان يثبت بالعتق والتدبير وذلك لا يحتمل النقض فظهر عند ظهور ملكه في المحل لقيام الاستحقاق كمن أقر بحرية عبد إنسان ثم اشتراه وهو نظير ما قال أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فيما إذا اعتقه المرتد بنفسه أو دبره ثم لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه فإنه يقضي به ميراثاً للوارث ثم إذا جاء المرتد مسلماً بعد ذلك فرجع العبد إلى ملكه فإنه يقضي به ميراثاً للوارث ثم إذا جاء المرتد مسلماً بعد ذلك فرجع العبد إلى ملكه بوجه من الوجوه إما من يد الوارث بالرد عليه أو من يد المشتري منه بشراء مستقبل فإنه ينفذ ذلك العتق والتدبير كذلك ها هنا وكذلك لو كاتب الوارث عبداً للمرتد بعد قضاء القاضي بلحاقه ثم جاء المرتد مسلماً فإن ذلك العبد يعاد إليه مكاتباً ويجعل في الحكم كأن الوارث كان كاتبه بأمره فيكون مكاتباً للذي جاء مسلماً وعاد المملوك إليه يجعل في الحكم كأن الزوال لم يكن من بده أصلا قال: ولو لحق المرتد بدار الحرب ثم وكل مسلماً بأن يأتي رقيقه الذين خلفهم في دار الإسلام فيعتقهم أو يدبرهم فلم يفعل الوكيل شيئاً من ذلك حتى رجع المرتد مسلماً ثم فعل الوكيل ذلك فهو باطل لأن أصل التوكيل ها هنا كان باطلاً منه فإنه وكله في حال لا يملك مباشرة التصرف فيه بنفسه أصلاً وبعد ما تعين جهة البطلان في الوكالة لا تنقلب صحيحة أبداً ولو كان وكله في جار الإسلام قبل الردة أو بعدها والمسألة بحالها نفذ تصرف الوكيل فيهم لأن أصل التوكيل كان صحيحاً ولم يبطل بمجرد لحاق الموكل بدار الحرب فإذا عاد مسلماً قبل قضاء القاضي صار كأن اللحاق لم يكن أصلاً ولو كان قضى القاضي بلحاقه وقسم ميراثه ثم جاء مسلماً فإن تصرف الوكيل في رقيقه قبل قضاء القاضي بردهم على المرتد كان تصرفه باطلاً وإن تصرف فيهم بعدما قضى القاضي بردهم على المرتد كان تصرفه نافذاً لأن الوكالة بعد صحتها لا تبطل بزوال الملك إلا أن الملك إنما يعود إليه بقضاء القاضي بالرد عليه فإذا سبق تصرف الوكيل قبل قضاء القاضي به لم ينفذ لأن لم يصادف محله ألا ترى أن الموكل لو باشره بنفسه لم ينفذ وإذا تصرف بعد قضاء القاضي بالرد عليه فقد صادف تصرفه محله فكان نافذاً وهو نظير رجل وكل رجلاً يبيع عبده أو يعتقه ثم باعه الموكل بنفسه ثم رده المشتري بخيار شرط أو رؤية أو عيب قبل القبض أو بعده بقضاء القاضي ثم تصرف الوكيل فيه نفذ تصرفه لبقاء الوكالة بعد زوال الملك ورجوع العبد إلى الموكل على الملك الأول. بخلاف ما إذا رجع إليه بشراء جديد مستقبل فإن هذا ملك حادث من كل وجه وهذا لأنه إنما وكله بالتصرف في الملك الذي كان موجوداً في ذلك الوقت فلا يتصرف فيه في ملك حدث بعده ولو كان الوكيل تصرف فيه بعد ما باعه الموكل قبل أن يرده المشتري عليه بخياره لم ينفذ تصرفه لأنه تصرف وهو خارج عن ملك الموكل ألا ترى أن المشتري لو أعتقه في هذه الحالة عتق من جهته فيكف يمكن تنفيذ عتق وكيل البائع في حال لو أعتقه المشتري بعد العتق من جهته قال: ولو أن المرتد كان وكل بعتقه وكيلاً في دار الإسلام ثم لحق بدار الحرب فأعتقه الوكيل ثم رجع المرتد مسلماً فجميع ما صنع الوكيل من ذلك جائز لأن اللحاق بدار الحرب إذا لم يتصل به قضاء القاضي في حكم الغيبة وذلك يمنع نفوذ تصرف الوكيل فيه وهذا بخلاف بيع الموكل العبد بنفسه فإن هناك بعد البيع صار العبد مجال ينفذ العتق فيه من جهة غير الموكل فلا ينفذ عتق وكيل البائع في هذه الحالة فيه وأما ها هنا بمجرد اللحاق قبل قضاء القاضي ما صار العبد بحال ينفذ فيه عتق غيره فإن الوارث لو أعتقه في هذه الحالة لا ينفذ عتقه فلهذا نفذ عتق وكيل المرتد فيه إذا رجع المرتد مسلماً بخلاف ما بعد قضاء القاضي بلحاقه فقد صار هناك بحال ينفذ العتق من الوراث فيه فلا ينفذ العتق من وكيل المرتد فيه في هذه الحالة. قال: ولو أن مسلماً أو مرتداً في دار الإسلام أذن لعبده في التجارة ثم لحق بدار الحرب مرتداً فتصرف العبد فإن تصرفه موقوف فإن لم يقض القاضي بلحاقه حتى رجع مسلماً كان التصرف نافذاً وكان العبد مأذوناً على حاله وإن قضى القاضي بلحاقه بطل تصرف العبد وخرج من أن يكون مأذوناً لأن بلحوقه زال ملكه زوالاً موقوفاً والإذن بالتجارة يتوقف بحال قيام ملكه فإذا توقف زواله عن ملكه يتوقف الإذن للعبد أيضاً وتوقف تصرف العبد لتوقف حكم الإذن فإذا عاد مسلماً قبل قضاء القاضي فقد تقرر ملكه على ما كان فينفذ تصرف المأذون ويكون مأذوناً على حاله وإذا قضى القاضي بلحاقه فقد تقرر زوال ملكه فيتقرر حكم الحجر عليه أيضاً ثم إذا عاد مسلماً وعاد العبد إلى ملكه لم يكن مأذوناً إلا أن يأذن له إذناً مستقبلاً لأن هذا تصرف محتمل للنقض فينتقض بقضاء القاضي بلحاقه لما يعود إلا بالتجديد وإنما أورد هذا إيضاحاً لا سبق من الوكالة وعليه رتب فصل المضاربة أيضاً أنه إذا تصرف المضارب بعد لحاق رب المال ثم رجع مسلماً قبل قضاء القاضي بلحاقه نفذ التصرف على المضاربة وكان الربح بينهما على الشرط وأن قضى القاضي بلحاقه لم ينفذ شيء من تصرفه إلى المضاربة وكان متصرفاً لنفسه له الربح وعليه الوضيعة ويكون ضامناً لرأس المال ثم إذا جاء المرتد مسلماً بعد ذلك لا يتغير هذا الحكم لمجيئه لأن المضاربة بطلت بقضاء القاضي بلحاقه كما بينا ولو لم يقض القاضي بلحاقه حتى عاد إلى دار الإسلام مرتداً على حاله فقد صار في الحكم كأن اللحوق بدار الحرب لم يوجد منه أصلاً وقبل لحاقه إذا تصرف المضارب نفذ على المضاربة في قول محمد - رحمه الله تعالى - وكان موقوفاً في قول أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بناء على الخلاف الذي بينا في تصرفات المرتد بنفسه بعد الردة قبل لحاقه وإن كان القاضي قضى بلحاقه ثم رجع مرتداً فلا سبيل له علي ماله لأنه صار بقضاء القاضي كالميت حكماً وسبب ذلك ردته فما بقي هذا السبب يبقى هو ميتاً حكماً وإن رجع إلى دارنا ولهذا كان المال لورثته على حاله لا سبيل للمرتد عليه ألا ترى أنه لو رجع مسلماً كان المال للوارث إلى أن يقضي القاضي يرده عليه فإذا رجع مرتداً أولى أن يكون المال باقياً على ملك الوارث ولا يقضي القاضي برده عليه فإذا رجع مرتداً أولى أن يكون المال باقياً على ملك الوارث ولا يقضي القاضي مبرده عليه ولكن يعرض عليه السلام فإن أبى قتله وإن قال: رد عليّ مالي واجعل لي في الإسلام أجلاً حتى أنظر في أمري فإن القاضي يؤجله في الإسلام ثلاثة أيام لا يزيده على ذلك شيئاً وقد بينا هذا فيما سبق وروينا فيه حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - حيث قال: هلا طينتم عليه الباب ثلاثة أيام وأعطيتموه كل يوم رغيفاً فلعله يراجع الحرق ولا يرد عليه ماله ما لم يسلم لما بينا أنه هالك بقضاء القاضي وحياته حكماً تكون بإسلامه فلما لم يظهر ذلك لم يرد عليه شيئاً من ماله والتأجيل عندنا مستحق وليس بلازم حتى أن للقاضي أن يقتله في الحال ولا يؤجله إن أبى أن يسلم بخلاف ما يقوله بعض الناس أن عليه أن يؤجله وقد بينا هذا فيما سبق ولو لحقت المرتدة بدار الحرب فقضى القاضي بميراثها لورثتها ثم جاءت مرتدة بأمان وطلبت مالها لم يرد عليها شيء من ذلك لأنها صارت هالكة بقضاء القاضي فما لم يظهر فيها سبب الحياة حكماً لا يرد عليها شيء من ذلك المال ولو جاءت مرتدة قبل قضاء القاضي بلحاقها فإن جاءت بغير أمان كانت فيئاً للمسلمين لأنها باللحاق بدار الحرب صارت حربية والحربية إذا دخلت دارنا بغير أمان كانت فيئاً وقسمت ميراثها بين ورثتها لأنها صارت هالكة حكماً حين جعلت فيئاً فالرقيّة تلف والحرية حياة لأنها بالرق خرجت من أن تكون أهلاً لمالكية المال فلهذا كان المال لورثتها وإن جاءت بأمان صنعت في مالها ما أحبت وحبست وأجبرت على الإسلام لأنها إذا رجعت قبل قضاء القاضي بأمان فصار اللحاق كأن لم يكن وقبل لحاقها بدار الحرب ينفذ تصرفها في مالها فكذلك بعدما رجعت إلا أن في الفصل الأول إنما كانت لا تسترق قبل اللحاق كونها من أهل دار الإسلام وهي ليست بدار الاسترقاق فإذا لحقت صارت من أهل دار الحرب فقلنا: بأنها تسترق إذا دخلت دارنا بغير أمان وإذا دخلت بأمان فإعطاء الأمان يمنع استرقاقها فقد عادت به كما كانت قبل اللحاق وإذا قال المسلم لعبده: إذا جاء يوم النحر فأنت حر وقال ذلك بعد ما ارتد ثم لحق بدار الحرب ولم يقض بميراثه للوارث حتى جاء يوم النحر فإن حكم العتق يكون موقوفاً لأن العتق لا ينفذ بدون قيام الملك في المحل عند وجود الشرط وقد بينا أن زوال ملكه قد توقف بلحاقه فكذلك يتوقف حكم العتق فإن جاء مسلماً قبل القضاء بلحاقه نفذ ذلك العتق وإن كان القاضي قضى بلحاقه قبل مجيء فجر يوم النحر ثم جاء يوم النحر فإن كان بعدما قضى القاضي برد العبد عليه عتق من جهته لأن التعليق كان صحيحاً وقد وجد. فالعبد في ملك الوارث ثم عاد المرتد مسلماً لم ينفذ ذلك العتق وإن رد القاضي العبد عليه لأن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز وقد بينا أنه لو نجز إعتاقه بعد ما قضى القاضي بلحاقه حن العتق باطلاً على كل حال فهذا مثله ولو رجع المرتد مسلماً قبل مجيء يوم النحر ثم جاء يوم النحر فإن كان بعد ما قضى القاضي برد العبد عليه عتق من جهته لأن التعليق كان صحيحاً وقد وجد الشرط وهو مملوك له فإن جاء يوم النحر قبل أن يقضي القاضي برد العبد عليه لم يعتق العبد لأنه وجد الشرط والعبد ليس في ملكه فإن العبد لا يعود إليه إلا بقضاء القاضي فلهذا لا ينفذ ذلك العتق فلو جاء يوم النحر بعد لحاقه قبل قضاء القاضي به ثم قضي القاضي به لوارثه فإنه ينفذ تصرف الوراث فيه لما بينا أنه يقرر زوال ملكه بقضاء القاضي من وقت اللحاق وإنما وجد الشرط بعد ذلك فلهذا لا يعتق من جهته وكان مملوكاُ للوارث ينفذ تصرفه فيه فإن لم يتصرف فيه حتى رجع المرتد مسلماًً ورد عليه العبد فإن يعتق من جهته لأن الشرط وجد في حال توقف ملكه فإن تمام زال ملكه يكون بقضاء القاضي فثبت به استحقاق العتق في ملكه إذا رجع إليه وقد رجع إليه على ذلك الملك وكذلك لو كان له وارث كاتبه لأنه رجع إلى قديم ملكه بعد كتابة الوارث فينفذ ذلك العتق ويسقط بدل الكتابة لاستغنائه عنها ولو كان قال لأمته إذا جاء يوم النحر فأنت حرة ثم لحق بدار الحرب مرتداً فقضى القاضي بها للوارث فأعتقها الوارث ثم لحقت بدار الحرب مرتدة فسبيت كانت فيئاً وأجبرت على الإسلام بمنزلة الحرة الأصلية إذا ارتدت ولحقت بدار الحرب فإن أسلمت ثم جاء المرتد مسلماً فاشتراها ثم جاء يوم النحر وهي في ملكه لم تعتق بخلاف جميع ما سبق لأن هذا العتق كان منهياً ملكه وقد بطل ذلك الملك أصلاً حتى ينفذ العتق من الوارث فيها فكان هذا ملكاً حادثاً من كل وجه وهذه زفرية وأصلها فيما إذا قال لأمته: إن دخلت الدار فأنت حرة ثم أعتقها فارتدت بدار الحرب ثم سبيت فملكها ودخلت الدار لا تعتق إلا على قول زفر - رحمه الله تعالى - والله الموفق.
|